ثلاثية...الامن,الصحة,القوت

بشرية والنفس الإنسانية تميل دائماً إلى المزيد، والمزيد من كل شيء مباح أو ممنوع. وقديماً قيل إن كل ممنوع مرغوب فيه، والعلاقة بين النفس واحتياجاتها علاقة طفولية تنشأ على حب الرضاع حتى إذا رغبت في فطامها صعبت عليك وتثاقلت خطاها وأورثتك سهر الليالي وآلام الفطام، والحاجة نفسها متجددة مع الأيام فقد ظلت حاجيات الإنسان في تناسب طردي مع دائرة مجتمعه ومحاور فكره فهو في الصغر لا يبرح ثدي أمه لحظة حتى يعود إليه مرة أخرى وإن منع عنه راح يعبر عن سخطه عبر صراخه وبكائه مسبباً قلقاً لكل من حوله، حتى إذا عاد إليه طوعاً أو كرهاًسكتت ثورة الغضب في نفسه وهدأت روحه وعادت إليه سكينته، وتنقسم حاجيات الإنسان إلى قسمين، حاجيات أساسية وهي تلك التي لا استمرارية للحياة دونها، وحاجيات ثانوية تكمل مشوار الحياة وتضيف بعداً آخر لها ولا يتأثر الإنسان كثيراً بفقدها. إن مفهوم «الحاجة» يختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع لآخر ولكنهم يتفقون على أنها واحدة من أهم دوافع حركة المجتمع إذ لا حراك له إلا بدافع الوصول إليها أو تحقيق جزء منها. لقد أكد علماء العلوم الاجتماعية والإنسانية أن حاجيات الإنسان لا نهائية وأن هناك استحالة في تلبية كل هذه الاحتياجات، وقد ظل الإنسان عبر القرون يبحث عن تحقيق أكبر قدر من احتياجاته مستخدماً كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة ومرت البشرية بصراعات عنيفة كانت الغلبة المادية فيها للقوة المادية. فانتصر القوي على الضعيف وسادت مفاهيم البقاء للأصلح إلى أن جاءت الأديان السماوية فساهمت بشكل كبير في حفظ توازن المجتمعات واستقرارها وراجت مفاهيم العدل والإنصاف وجاء الإسلام كأكبر ظاهرة دينية وفكرية فحدد حاجيات الإنسان بأسلوب رفيع ولغة بينة وأدخل مفاهيم جعلت النفس المؤمنة نفساً تصغر عندها الحاجة في الدنيا وتكبر في الآخرة- ويأتي النداء ملخصاً حاجيات الفرد في قوله ص «من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». وهكذا تلخصت حاجيات الإنسان في الثلاثية «الأمن- الصحة- القوت». إن نفساً استوعبت مضمون هذا الحديث لا يمكنها أن تطغى على أحد فهي نفس هذبتها القيم الروحية وأعادت لها توازنها النفسي ثم يمضي بنا حديث نبوي آخر إلى ذات المعاني في قوله ص «أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه- ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل». ما أحوجنا اليوم قبل الغد إلى غرس هذه المفاهيم وسط مجتمعنا وفي عالم تسوده حماقات الساسة وعزة أهل القوة المادية فهو عالم يموت فيه فاقد «الحاجة» على قارعة الطريق كما يموت فيه في ذات الوقت مالك «الحاجة» فميتة الفاقد بسبب الجوع والعوز والفاقة وميتة المالك سببها «التخمة» التي كسبها على حساب فاقدها وما شبع غني إلا على حساب فقير و: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

تسلم يدك على الموضوع الحلو

مشكور على الموضوع واجد جميل



حور الجنان