سيفُ الحرِّية نَبُوخَذ نَصَّر ـــ محمد بري العواني
مسرحية موسيقية للفتيان ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2005
Updated: Sunday, January 29, 2006 01:26 PM
فهرس الكتاب أدب الطفل الدراسات القصة الشعر المسرح الرواية
"المشهد التاسع"
(في بابل –قاعة القيادة العليا للجيش –أسلحة متنوعة، وخرائط كثيرة. نبوخذ نصر يشرح لقادته نرجالو ونابونيد وجوبارو، ولوزيره أسبيناز الخائف على مَلِكِهِ. نبوخذُ نصر منفعل، ومازالت آثار المرض بادية عليه. ولهذا فهو يختلس النظرات بين الحين والآخر نحو وزيره ليرى ردة فعله، مما يجعله متناوباً في انفعالاته)
نبوخذ نصّر: الأخبارُ لديَّ تقولْ:
إنّ يهودا تلعبُ لُعْبَتَها القَذِرَةْ.
جوبّارو: (بحماس) لنْ تفعَلَها يا مولاي:
نبوخذ نصّر: بلْ فَعَلَتْها يا جوبّارو.
صِدْقِيّا ملكٌ خائنْ،
يعرفُ كيفَ يفكرْ.
وأراهُ الآنَ بعقلي
يَعقِدُ حِلْفاً معَ صَيْدونَ ومِصَر وصُورْ
لإزاحَتِنَا مِنْ دَرْبِهْ.
يُطْلِقُ أيدي المَصرِيّينْ
ضدَّ خُطوطِ تجارتِنا.
وعِصَاباتُهْ
لا تتوانى أبداً.. أبداً
عَنْ نَهْبِ قوافِلِنَا،
عَنْ قَتْلِ عساكِرِنا.
ولهذا سَتَروْنَ يهودا تجري كالمكُّوكْ (1)
بينَ الدُّول العَرَبِيَّةْ،
تَخْشى وَحْدَتَنَا.
تخشى دَوْلَتَنَا القومِيَّةْ.
أوَ لمْ تُدْرِكْ يا جوبَّارو
أنّ يهودا العِبْرانِيَّةْ
تَكْرَهُ كُلَّ شُعوب العالمْ
وتراهُمْ أُممّاً هَمَجِيَّةْ؛
حيواناتٍ وبهائِمْ؟!!
نرجالو: يا مولايْ..
نبوخذ نصّر: ماذا يا نِرجالو؟!
نرجالو: صدْقِيّا سيجيءُ إليكُمْ،
يُعْلِنُ طاعَتَهُ وخضوعَهْ
لجلالِتكُمْ!!.
نبوخذ نصّر: (بثقة) يفعَلُ ذلكَ يا نرجالو
كيْ يَشْغَلَنَا عمّا يَجري لِتجارَتِنَا،
وقوافِلِنَا،
ويُدَمِّرَ مشروعَ الوحدةْ
معَ إخوَتِنَا!!.
(صمت شبه طويل يجلس فيه نبوخذ نصر، وهو مطرق إلى الأرض، ثمّ ينظر إلى وزيره أسبيناز وكأنه يطلب منه متابعة الكلام..)
أسبيناز: صِدْقيّا يا نرجالو
أفعى رَقْطاءْ (2)
ما يَفْعَلُهُ مَحْسوبٌ بذكاءٍ
مَدْروسٌ بِدَهاءْ!!
يَدفعُ جِزيَتَهُ كاملةٌ كَيْ يَخْدَعَنَا.
وَسَفاراتُهْ
في صَيْدونَ ومِصْرَ وصُورْ
تُغْري إخْوَتَنا بالحرب علينا.
فإذا العُرْبُ جميعاً يا نِرجالو كالسَّيْفِ المكسورْ!!.
(للملك) يا مولاي..
لا تأمَنْ جانِبَ صِدْقِيَّا.
إنّ الثأرَ يُحَرِّكُهُ
نابونيد: (بحماس) بلْ والحقدُ يُسَيِّرُهُ.
جوبارو: (بانفعال) لنْ يتجرّأَ صِدْقيّا كيْ يَفْعَلها
يا نابُونيدْ
نبوخذ نصّر: (صارخاً) بلْ يَفْعَلها يا جوبَّارو.
الخائِنُ يفعَلُها.
وأنا مسؤولٌ عَنْ فِعْلِهْ!!
(صمت قصير يستعيد فيه نبوخذ نصر أنفاسه، ثمّ بأسف واحتقار)
كانَ مُجَرَّدَ وَغْدٍ فاشِلْ
حينَ صَنَعْتُ لهُ عَرْشا،
وأنا.. أجْني غلطي القاتِلْ!!
(صمت قصير، يتابع بعده أسبيناز)
أسبيناز: صِدْقيّا إسرائيليْ
شيمَتُهُ غَدْرٌ وخيانَةْ.
وشريَعتُهُ مكْرٌ وخِداعٌ وضَغينةْ.
ولهذا يا جوبَّارو
يَعرِفُ كيَ يُخادِعُنَا،
ولماذا يَدْفعُ جِزيَتَهُ لخَزينَتِنَا الآنَا!!
نبوخذ نصّر: (بهدوء) أعرفُهُ كيفَ يُفكِّرْ.
أعرِفَ ما يُخفي ويُدَبِّرْ!!
(يتأملهم جميعاً –وحين يصل إلى جوبّارو يُطْرِقُ هذا برأسه..)
أَيراني أَحَدٌ منكُمْ
أَحْمَقَ أو أبلَهْ؟!!
مَجنْوناً؟!،
لا أفهَمُ ما يجري في أرضِ العَرَبِ
مِنْ مشرقِ هذي الشمسِ إلى الغَرْبِ؟!!
نرجالو: عفْوَكَ يا مولانا!!
ما نَعْرِفُهُ أنّ يهودا أوْهى مِنْ أنْ تَصرَخْ!!
أو صِدْقيَّا يَجْأَرْ!!
نبوخذ نصر: هيَ لُعبَتُهُ يا نِرجالو!!.
سَيجيئُ إلينا صِدْقِيا بِكُنوزٍ وجواهِرْ،
وَهْوَ يمهِدُ لِلْفِرْعَونِ طريقاً حُرَّةْ
في سوريّةْ
جوبّارو: (بدهشة) في سوريّةْ؟!
نبوخذ نصّر: اسمَعْ وافْهَمْ يا جوبَّارو..
ذهَبٌ وحَريرٌ وتوابلْ
وتجاراتٌ لا تملِكُها إلا بابِلْ!!!
نابونيد: يا مولايْ..
أُعْذُرْني، لم أَفْهَمْ!!
نبوخذ نصّر: جوبّارو يَفْهَمْ!!
جوبّارو: (بارتباك) أفهمْ.. أفهم!!
نبوخذ نصّر: سوريّةُ يا نابونيدْ
قَلْبُ العالَمْ.
بوابَتُهُ نحوَ المشْرِقِ والمغْرِبْ.
إنْ ضَمَّتْها مِصْرُ إليها
سَقَطَتْ بابلْ
كيْ تحيا مملكةُ يهودا
يَدْعَمُها الفُرْسُ!!
(صمت قصير) هلْ أدْركْتُمْ سِرَّ زيارَةِ صِدْقِيّا؟!
هَلْ أدركْتُمْ كَيفَ يفكِّرْ؟!!.
إنَّ يهودا لنْ تَجْأَرْ
بَلْ سوفَ تُزَمْجِرْ!!.
جوبَارو: (بدهاء) اِغفِرْ جَهلي يا مولايْ
واعْذُرْني!!
نبوخذ نصر: (فجأة) الحرْبُ هيَ الحلُّ الأَوحَدْ!!
(صمت بين الجميع من المفاجأة ـ ثم يتجرأ نِرجالو ويسأل)
نرجالو: تعني.. نَضْرِبُهُمْ ونعودْ؟!
أسبيناز: (بحسم وحزم)
بلْ نَمْحُوهُمْ!!
(صمت طويل بين الجميع بسبب قرار أسبيناز الحاسم، يتابع أسبيناز)
ذاكَ الربُّ الإسرائيليْ
ـ يهوا ـ
بطّاشٌ متجَبِّرْ.
دَمَويٌ متكبِّرْ.
وكما يُعْلِنُ حاخاموهُمْ(3)
يظهَرُ "يهوا" كَعَمُودٍ مِنْ نَارٍ
لا كإلهِ سلامْ.
والتَّلْمُودُ الإسرائيليْ(4)
يَقضي أنَّ شعوبَ العالمْ
حيواناتٌ وبهائمْ،
وَهُمُ أدنى مِنْ شَعْبِ اللهِ المختارْ.
(يلتفت نحو نبوخذ نصّر)
ولذا يا مولايَ تراهُمْ
مَحْشُوّينَ بِحِقْدٍ أسودْ،
وَيُحَرِّكُهُمْ ضِدَّ البَشَرِ
طبعٌ فتّاكٌ غدّارْ
(برجاء) لا تَأْمَنْهُمْ!!
نرجالو: هذا يعني أن يتوجَّهَ كلُّ الجيشِ إلى سوريَّةْ!!
جوبّارو: وهُنَا؟!
أسبيناز: (بدهاء) وهُنَا ماذا؟!
جوبّارو: أعني.. ماذا يبقى في بابلَ مِنْ جيشْ؟!
والفُرْسُ يُحيطونَ بِنَا؟!
تحتَ ملابِسِهِمْ يُخْفونَ سيوفاً
ورماحاً ومَعاوِلْ؟!
هلْ يَنسى مولانَا
ما ترجو فارِسُ مِنْ بابلْ؟!!
نبوخذ نصّر: (يحدِّقُ في جوبّارو ببرود)
مَلِكٌ مِثْلِي لا يَنسى يا جوبّارو
(ثم بنزق) مَلِكٌ مِثْلي...
لا تنقُصُهُ مِنْ قادَتِهِ أفكارُ
إنْ لمْ يُخْفُوا شَيْئاً عَنِّي!!
جوبّارو: (وقد فهم كلام الملك)
يا مولايْ...
أنا لا أُخْفِي عنكُمْ شَيْئاً!
نبوخذ نصر: (بحزم) بلْ تُخفي يا جوبَّارو.
جوبّارو: ماذا تَعني يا مولايْ؟!
نبوخذ نصر: ضبّاطٌ فُرْسٌ يأتونَ إليكْ
فِي هَيئةِ تُجَّارِ قوافِلْ
أو في هَيئةِ أَشرافٍ نُبلاءْ.
تَسْتَقْبِلُهُمْ في بَيْتِكْ،
أو بُسْتَانِكْ!!.
جوبّارو: يا مولايْ!!
نبوخذ نصر: أصْمُتْ!!
أتَظُنُّ بأنَي لا أعرِفْ
مَا يَجري حَوْلي..
أو حَوْلَكْ؟!!
أو مَا يَجري في بابِلْ؟!
جوبّارو: (يحاول إقناع الملك...)
يا مولايْ..
هُمْ أَصْحَابِي،
تجّارٌ شُرَكَاءٌ لي، ولِغَيْري،
في قمحي ونَخيلي!!
نبوخذ نصّر: ومُشَعْوِذُكَ الإسرائيليْ؟!
جوبّارو: هو جاسوسٌ..
نبوخذ نصّر: (يقاطعه) أَظَنَتْتَ بأني صدَّقْتُهْ
حين تَنبَّأَ لي بالنصْرِ؟
إنّ نبوخذَ نصّرَ يا جوبَّارو
لا يَنْصُرُهُ ربٌّ شيمَتُهُ الغَدْرُ.
بلْ يَنْصُرُهُ سيفٌ عَربيٌّ حُرُّ!!
جوبّارو: (يكذب) وأنا سيفٌ بينَ سيوفِكْ.
نبوخذ نصر: (يتقدم من جوبّارو، ويسحب منه سيفه)
بينَ سيوفي
يوجَدُ سيفٌ طَمَّاعٌ، جَشِعٌ، خائِنْ
وأنا أعرِفُ حَقَّاً سَيْفَكْ.
بلْ إِني يا جوبّارو
(ويلكزه بالسيف) أعْرِفُ ما تُخفي في صَدْرِكْ!!
جوبّارو: (مرتبكاً) صَدري يَخْفُقُ يا مولايَ بِحُبِّكْ.
نبوخذ نصر: (ساخراً) حَقَّاً؟!!
جوبّارو: أُقْسِمْ..
نبوخذ نصر: (يضع رأس السيف على فم جوبارو لإسكاته)
وإذِنْ سوفَ نُعايِنُ حُبَّكْ!!
في تَدْميرِ يهودا!!
جوبّارو: (باستسلام) حاضِرْ.
نبوخذ نصّر: وتكونُ لنا جاسوساً
بينَ التُّجَارِ الفُرْسِ.
جوبّارو: يا مولايْ..
نبوخذ نصر: هذا أَمْري..
لا تَصْدَعْ رأسي!!
جوبّارو: حاضِرْ.
نبوخذ نصر: (يعطي السيف لجوبّارو، فيأخذه هذا)
وتُوافيني كلَّ صَباحٍ،
كلّ مساءٍ بالأَخبارْ.
جوبّارو: حاضِرْ.
(يتنحّى جوبّارو جانباً، مقهوراً، مرتبكاً)
نابونيد: اِسمحْ لي يا سَيِّدَ بابِلْ
هل نَسْتَقْبِلُ صِدْقِيَّاً...
أَمْ نَطْرُدُه؟!
نبوخذ نصّر: سَنُفَاجِئُهُ،
ونُعلِّمَهُ دَرْسَاً
لنْ تَنْساهُ عِصابَتُهُ!!
أسبيناز: (يحمِّسُه) فَلْتَفْعَلْها يا مولايْ
ولْتَكْسِرْ شَوْكَتَهُ!!
نبوخذ نصّر: (للضباط) أمّا أنتُمْ، فعلى رأسِ كتائِبِكُمْ.
(يتجه إلى خريطة كبيرة معلقة على الجدار ـ أو على طاولة ـ ويشير بسيفه إلى خطوط المسير).
تتّجهونَ إلى سوريَّةَ
دونَ تباطُؤْ.
خَطُّ مَسيرِ الجيشِ الزّاحفِ،
مِنْ بابلَ حتى تدمُرْ،
هُوَ مرحلةٌ أولى.
في المرحلةِ الأُخرى..
مِنْ تَدمرَ حتى قادِشَ في حِمْصْ.
نِرجالو القائِدُ والآمِرْ،
حتّى ألقاكُمْ في رَبْلَةْ
عندَ منابعِ نهرِ العاصي.
فامْضُوا الآَنَ، ودونَ تَأَخُّرْ!!
(ينحني الضباط للتحية ويتحركون للخروج، فينادي على جوبّارو)
جوبّارو..
(يتوقف جوبّارو) لا تَتَغَيَّبْ عَنْ بَصَري
أو تتأخّرَ عَنْ إِخباري
بِالأحْدَاثِ، ومَا يَجْري..
أُخرجْ!!
(يخرج جوبّارو سريعاً ـ يبقى نبوخذ نصر وأسبيناز ـ فترة صمت، يجلس نبوخذ نصر على العرش ـ ويطلق نفساً عميقاً، يتقدم أسبيناز)
أسبيناز: (بهدوء) هلْ جوبّارو يا مولاي..
جاسوسٌ للفرْسِ؟!.
نبوخذ نصّر: لا تَعْجَبْ يا أسبينازْ
مِنْ شَكّي، أو مِنْ حَدْسِي!!
معلوماتي لا تكْذِبْ.
جوبّارو هذا..
(فجأة يتألم ويضع يده على بطنه) أيْ..
أسبيناز: (بخوف ولهفة) ماذا؟!
نبوخذ نصر: (وهو يتألم) جوبّارو يطمَعُ بالعرشْ.
يتآمَرْ...
مَعَ كِسْرى الفُرْسِ.
وَهْوَ عَميلٌ ليهودا.
التاجرُ يا أَسبينازْ
دسّاسٌ وخسيسُ النَّفْسِ.
(يتألم) آيْ..
أسبيناز: (يمسك بالملك) لا تتحرَّكْ.
نبوخذ نصر: أينَ طبيبي؟!
أسبيناز: (يصرخ) يا بيلاردو!!
(يصدح نفير الجيش المستنفر ـ ينهض
نبوخذُ نصر بشكل عفوي متألماً).
نبوخذ نصر: يَزْحَفُ جَيشُكِ يا بابلُ نحوَ الشمسِ
كيْ يبنيَ مَجْدَ العَرَبِ..
أسبيناز: اِجلسْ.. اِجلسْ.
(تغيم الإضاءَة وتَخْفُتُ قليلاً قليلاً، وتُضاء ستارة خيال الظل ـ تدخل الجوقة وتروي، بينما نرى حركة جيش بابل يسير نحو سورية، وما زال نبوخذ نصّر واقفاً يودِّعُهُ، وهو محاط بإضاءة خافتة).
الجوقة: الجيشُ تأَهَّبَ للحربِ
وتَلقّى تبريكَ الشعبِ
واندفَعَتْ كلُّ كتائِبهِ
زاحفةً نحوَ الْغَرْبِ.
دباباتٌ ومجانيقْ،
عَرَباتُ قتالٍ وخيولُ،
وصليلُ سيوفٍ وصهيلُ،
في كلِّ سَبيلٍ وطريقْ..
لكِنَّ نبوخذَ نصّرْ
يتلّوى مَحْمُومَ الجَسَدِ
ما بينَ صَقِيعٍ وحَريقْ!!
(إظلام تام على الملك والجوقة، بينما تستمر حركة جيش بابل من خلال ستارة خيال الظل، ثم تغيب الصورة رويداً رويداً).
(1) المكّوك: آلة في النّول اليدوي أو الآلي، مهمتها حَبْكُ الخيطان مع بعضها، وتتحرك بشكل عرضاني، جيئة وذهاباً.
(2) رقطاء: منطقة بالأسود، وهي من أخطر أنواع الأفاعي.
(3) حاخاموهم: جمع حاخام، أي الحكيم. وهو رجل الدين اليهودي.
(4) من أهم كتب اليهود. وهو قسمان. "الميشنا" ويعني الشريعة الشفهية و"غمارا" وهو تفسير "الميشنا". ويتضمن التلمود كلَ الأفكار المضادَّةِ للشعوبِ الأخرى. وهو الأصل.
نقلا عن موقع www.awu-dam.org
موضوع: سيفُ الحرِّية نَبُوخَذ نَصَّر 
الأحد سبتمبر 02, 2007 11:09 pm
