إن من أهم الدروس والعبر وأعظم ما يمكن النظر إليه في قصة مقتل الإمام الحسين عليه السلام هو حالته الروحية يوم العاشر من المحرم وكيف كان في اتصال دائم مع الله سبحانه وتعالى يناجيه راضيا بقضاءه مسلما أمره كله له. ولقد اجتهدت أن أجمع كلمات الإمام الحسين عليه السلام ولحظاته الروحيه في هذه العجالة:
******
أحيا الليلة بالعبادة:
وكان له ولأصحابة دوي كدوي النحل بين راكع وساجد وقارئ للقران أقبلوا على مناجاة الله.
******
بدأ الإمام الحسين يومه بصلاة الصبح ثم قال دعاء صباح يوم عاشوراء:
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت في كل أمر نزل بي ثقة وعدة , كم من هم يضعف فيه الفؤاد , وتقل فيه الحيله , ويخذل فيه الصديق , ويشمت فيه العدو , أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته وكفيته , فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة
******
موعظة الإمام لهم:
أيها الناس.. إن الله تعإلى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من افتتنته، فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن اليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحل بكم نقمته، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد( صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد إستحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم ولما تريدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ألا وإن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين , بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد، وخذلان الناصر،
ثم انشد يقول:
فإن نهزم فهــزامون قدما وان نهـزم فغير مهـزمينا
وما أن طـبنا جـبن ولكن منـايانا ودولة آخـريـنا
فقل للشـامتين بنا أفـيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموت رفع عن أناس بكـلكـله أناخ بآخرينا
أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم)، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكون أمركم عليكم غمة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون، اني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
********
الصبر على البلاء:
فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعا من أصحاب الحسين، فضرب الحسين( عليه السلام ) يده على لحيته وجعل يقول: اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضب بدمي.
******
عند مقتل مسلم بن عوسجة:
تلى الإمام الحسين قول الله تعالى : "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"
*******
المحافظة على الصلاة في وقتها:
قال له أحد أصحابه وهو أبو ثمامه الصائدي :يا ابا عبدالله نفسي لك الفداء . اني ارى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى اقتل دونك ان شاء الله ، واحب ان القى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قددنا وقتها ، قال : فرفع الحسين رأسه ثم قال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ، نعم هذا اول وقتها ، ثم قال : سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلى ، فلم يقبل القوم ذلك وصلى الحسين عليه السلام ومن بقي معه من أصحابه
********
الإمام يصبر أصحابه:
صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة , والنعم الدائمة , فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر, إن أبي حدثني عن جدي رسول الله (ص) انه قال: إن الدنيا سجن المؤمن , وجنة الكافر , والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم , وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت ولا كذبت
*********
عندما قطعوا يد ابن اخيه عبدالله بن الحسن:
يا بن أخي اصبر على ما نزل بك , واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بأبائك الصالحين
*********
مقتل الطفل الرضيع:
حمل الإمام طفله الرضيع يطلب منهم أن يسقوه ماء فرموا الطفل بسهم في نحره وقتلوه في حضن الحسين:
أخذ من دم الطفل ورمى به نحو السماء واخذ يناجي ربه: هون ما نزل بي أنه بعين الله , اللهم لا يكون عليك أهون من فصيل , إلهي أن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة في الأجل ,,,,
********
حالة الإمام الحسين أثناء القتال:
يقول عبدالله بن عمار : رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل على من على يمينه حتى اندغروا عنه فوالله ما رأيت مكثورا قد قتل أولاده وأصحابه اربط جأشا منه , ولا أمضى جنانا منه , ووالله ما رأيت قبله ولا بعده مثله.
*********
الموعظة الأخيرة:
ياعباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت على أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضاء بالقضاء . غير أن الله تعالى خلق الدنيا للفناء، فجديدها بال، ومقيمها مضمحل وسرورها مكفهر، والمنزل تلعة، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوا الله لعلكم تفلحون .
*******
التسليم لله :
عندما هجموا على الإمام يرمونه بالسهام وكان يتقيها بصدره ونحره :
أصابه سهم في فمه الطاهر فتفجر الدم ووضع يده تحت الجرح فلما امتلأت دما رفعه إلى السماء وجعل يخاطب الله تعالى قائلا: اللهم إن هذا فيك قليل
*******
ثم وقف ليستريح بعدما اعياه نزيف الدماء فرماه أحدهم بحجر أصاب جبهته فسالت الدماء على وجهه ثم رماه رجل أخر بسهم في قلبه فأحس بدنو الأجل ونظر إلى السماء
الإستعداد للرحيل:
بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ,, الهي انك تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري وأخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب فأخذ يتلقاه بيديه فلما امتلأتا رمى به نحو السماء وهو يقول: هون ما نزل بي أنه بعين الله ,,,, ثم لطخ وجهه ولحيته بالدم وقال : هكذا أكون حتى القى الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي
***********
المناجاة الاخيرة مع الله ,
واتجه الإمام في تلك اللحظات الأخيرة إلى الله فأخذ يناجيه:
صبرا على قضاءك لا اله سواك يا غياث المستغيثين , مالي رب سواك ولا معبود غيرك. صبرا على حكمك يا غياث من لا غياث له , يا دائما لا نفاذ له يا محي الموتي , يا قائما على كل نفس احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين.
*******
نور وجه الإمام في لحظاته الأخيره
في تلك الحالة مكث الإمام مدة من الوقت على الأرض وكانت هيبته تأخذ بمجامع القلوب حتى قال بعض أعداءه:
لقد شغلنا جمال وجهه ونور بهجته عن الفكرة في قتله
*******
ثم نزل إليه مجرم واحتز رأس الحسين عليه السلام