حرب الخليج الاولى و تسمى أيضاً الحرب العراقية الإيرانية (سميت من قبل الحكومة العراقية باسم قادسية صدام)، كانت حرباً بين القوات المسلحة لدولتي العراق و إيران و استمرت من أيلول/سبتمبر 1980 إلى آب/اغسطس 1988. اعتبرت هذه الحرب من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين و أدت إلى مقتل زهاء مليون شخص من الضحايا وخسائر مالية تقدر بحوالي 1.19 تريليون دولار أمريكي، وقد غيرت الحرب المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط وكان لنتائجها أعظم الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية او ما سميت بعاصفة الصحراء في 1991.
جذور الخلافات العراقية-الأيرانية
ترجع أصول الخلافات العراقية-الإيرانية إلى قرون من الزمن حيث كانت هناك باستمرار نزاعات و خلافات حول الهيمنة على المنطقة بين الممالك المتعاقبة في بلاد مابين النهرين (العراق) و الامبراطورية الفارسية. قبل هيمنة الامبراطورية العثمانية على العراق كان العراق جزءاً من الامبراطورية الفارسية، وقبل ذلك كانت مساحات شاسعة من إيران تحت سيطرة البابليين والآشوريين، و لكن الوضع تغير في عهد مراد الرابع حيث اغتنم فرصة ضعف الصفويين واستطاع أن يضم العراق إلى حكم العثمانيين ولكن الخلافات على ترسيم الحدود بقيت مشكلة عالقة. بين عامي 1555 و 1975 تم التوقيع على مالا يقل عن 18 اتفاقية لترسيم الحدود بين العراق و إيران. أحد جذور الخلاف يعود إلى مسألة السيادة على منطقة الأهواز التي يقطنها إيرانيون عرب في جنوب غرب إيران بإقليم عربستان/ الأحواز وهي منطقة غنية بالنفط. في عام 1959 بعد سنة واحدة من مجيئ الزعيم عبد الكريم قاسم للسلطة في العراق قام بدعم الحركات المطالبة بالاستقلال في الأهواز و أقدم عبدالكريم قاسم على إثارة الموضوع في الجامعة العربية، ولكن النجاح لم يحالف عبد الكريم قاسم الذي قتل في انقلاب قاده حزب البعث عام 1963.
في عام 1969 بعد مجيئ حزب البعث للسلطة في العراق أعلن نائب رئيس الوزراء في العراق بأن الأحواز عربستان هو جزء من العراق وبدأت الإذاعة العراقية بنشر بيانات تحث الشعب العربي الأهوازي للقيام بالثورة ضد نظام الشاه في إيران. وفي عام 1971 قطع العراق علاقاته الدبلوماسية مع إيران نتيجة خلافات على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث جزيرة أبو موسى/أبو موسى و طنب الكبرى و طنب الصغرى بعد انسحاب القوات البريطانية منها.
أحد الأسباب الرئيسية للخلافات بين العراق و إيران كان الخلاف حول السيادة الكاملة على شط العرب حيث كانت تحت السيادة العراقية الكاملة قبل عام 1975 ولكن الدولتان تقاسمتا السيادة على شط العرب بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي كف على أثرها الشاه في إيران عن مساعدة الثوار الأكراد في العراق، في مقابل تنازل العراق عن بعض حقوقه في شط العرب، واستفاد العراق من هذه الاتفاقية في إيقاف المساعدات الإيرانية لحركة التمرد الكردية التي قادها مصطفى البارزاني ، ونجاح النظام العراقي في القضاء على الثورة الكردية.
عند مجيئ صدام حسين للسلطة في العراق عام 1979 كان الجيش الإيراني جيشا ضعيفا فبعد ان كان مصنفا كخامس جيش في العالم و بسبب إعادة الهيكلة و تعرض القياديين السابقين في الجيش إلى حملة اعتقالات على يد صادق خلخالي حاكم شرع إيران بعد وصول الثورة الإسلامية إلى سدة الحكم في إيران إضافة للعقوبات الأمريكية مما جعل الجيش الإيراني جيشاً ضعيف التسليح مقارنة بالجيش العراقي. وعندما بدأت بوادر "تصدير الثورة الإسلامية" إلى الشرق الأوسط حسب تعبير البعض بدأت دول المنطقة ذو الأقلية الشيعية مثل الكويت و السعودية إبداء القلق من احتمال امتداد الثورة الإسلامية الشيعية إلى مناطقهم، كل هذه العوامل بإلاضافة إلى عوامل أخرى لعبت دوراً كبيراً في إشعال الشرارات الأولى لفتيل الحرب.
بدايات الحرب الجبهة الجنوبيه
كلفت الحرب 350 مليار دولار من الخسائر الأقتصادية في إيران وحدها
بدأت العلاقات الدبلوماسية العراقية-الإيرانية بالتدهور في عام 1980 بعد صراعات حدودية متفرقة .وبعدما قام صدام حسين في 17 سبتمبر 1980 بتمزيق اتفاقية الجزائر لعام 1975 و التي وقعها حينما كان نائب للرئيس العراقي آنذاك، مع شاه إيران عام 1975. واستعاد العراق نصف شط العرب الذي تنازل عنه لإيران بموجب ذلك الاتفاق، واعتبر شط العرب كاملاً جزءاً من المياه الإقليمية العراقية. و مما زاد الوضع تعقيداً هو محاولة اغتيال لوزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز من قبل عناصر حزب الدعوة الإسلامية العراقية التي كانت مؤيدة للنظام الإسلامي في إيران. ادعى نظام الرئيس السابق صدام حسين بأن القوات الإيرانية بدأت العمليات العسكرية بقصفها للمخافر الحدودية في منطقة المُنذرية والشريط الحدودي بين محافظة واسط و محافظة ديالى، كما ادعى تقدم القوات الإيرانية باتجاه المناطق العراقية في منطقتي سيف سعد وزين القوس وقد أرسلت وزارة الخارجية العراقية برسائل للامم المتحدة حول ما وصفته بالانتهاكات الحدودية فردت الحكومة العراقية بإرسال المقاتلات العراقية بغارة جوية في العمق الأيراني مستهدفة المطارات العسكرية الإيرانية في عدد من المدن الإيرانية الرئيسية.
أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أن مطالب العراق من حربه مع إيران هي: الاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، و إنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق .إضافة إلى المطالبة بالأهواز وإقليم عربستان/ خوزستان كجزء من العراق.
قام الجيش العراقي بالتوغل في الأراضي الأيرانية بدون مقاومة تذكر في بداية الأمر. لكن سرعان ما بدأت القوات الإيرانية برص صفوفها وتطوع ما يقارب 100،000 إيراني للذهاب إلى جبهات القتال بعد أسابيع من التوغل العراقي وبدأ الجيش العراقي يدرك أن الجيش الإيراني ليس بالضعف الذي كان متوقعاً. وبحلول عام 1982 تمكن الجيش الإيراني من إعادة السيطرة على كل المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش العراقي مما حدى بالحكومة العراقية إلى عرض مبادرة لوقف إطلاق النار في عام 1982 ولكن هذه المبادرة لم تلق أذان صاغية لدى الحكومة الإيرانية التي كانت على ما يبدو مصممة على الإطاحة بحكومة الرئيس صدام حسين.
حرب الناقلاتفي عام 1981 بدأ ما يسمى بحرب الناقلات و كانت عبارة عن استهداف متبادل لناقلات النفط و الناقلات البحرية التجارية للبلدين بغية قطع الإمدادات الاقتصادية و العسكرية للجيشين المتحاربين. ولم يكن الأمر مقتصراً على استهداف السفن التابعة للدولتين المتحاربتين بل امتدت لتشمل الدول الداعمة ففي 13 مايو 1984 هوجمت سفينة كويتية قرب البحرين و في 16 مايو 1984 هوجمت سفينة سعودية من قبل السفن الحربية الإيرانية حيث كانت الكويت و السعودية من الدول الداعمة للعراق. تم تدمير ما مجموعه 546 سفينة تجارية خلال حرب الناقلات وكانت أغلبيتها سفن كويتية مما حدى بالحكومة الكويتية إلى طلب المساعدة الدولية لحماية سفنها في عام 1987، فقامت الولايات المتحدة برفع علمها على السفن الكويتية لتوفير الحماية لها. لكن هذا الأجراء لم يمنع الإيرانيين من مهاجمة السفن مما حدى بالأسطول الأمريكي إلى مهاجمة سفن إيرانية، و من أشهر هذه الهجمات الهجوم الذي وقع في 18 ابريل 1988 ودمر فيه سفينتين حربيتين إيرانيتين.
وقامت القوات الأمريكية بهجوم وقع في 3 يوليو 1988 أدى إلى تدمير طائرة نقل ركاب مدنيين قالت القوات الأمريكية فيما بعد أنه وقع عن طريق الخطأ من قبل الطائرات الحربية الأمريكية و التي أدت إلى مقتل 290 ركابا كانوا على متن الطائرة.
في خضم كل هذه الأحداث تم الكشف عن فضيحة إيران-كونترا ضمن صفوف إدارة الرئيس الأمريكي انذاك رونالد ريغان حيث تم الكشف عن حقيقة أن الولايات المتحدة كانت بالاضافة إلى دعمها للعراق فانها و في نفس الوقت كانت تبيع الاسلحة لإيران و كانت تستخدم الأموال من تلك الصفقة لدعم الثوار في نيكاراغوا.
حرب المدنمع اقتراب نهاية الحرب بدأ الخمول يظهر على أداء الجيشين العراقي و الإيراني نتيجة للاستنزاف الطويل للذخيرة الحربية و القوة البشرية للجيشين، فبدأت مرحلة سوداء في تاريخ الحرب وهي قصف المدن بصورة عشوائية عن طريق صواريخ سكود أو أرض-أرض طويلة المدى حيث راح ضحيتها الكثير من الأبرياء المدنيين.
وبدأت القوات الجوية العراقية بضربات إستراتيجية للمدن الإيرانية، واستهدفت الضربات طهران بشكل أساسي مع بداية عام 1985، فقامت إيران بقصف العاصمة بغداد بصواريخ سكود البعيدة المدى. و رد العراق بالمثل بقصف طهران. ووصل الأمر إلى حد استهداف العراق الطائرات المدنية و محطات القطار، وتدمير ثلاثة وأربعين مدرسة في عام 1986 فقط أدى لمقتل مئات التلاميذ، وقام العراق باستعمال الأسلحة الكيمياوية في الحرب، ولم تتمتع الحكومة الإيرانية بدعم دولي على عكس العراق الذي كان يتمتع بإسناد ذو قاعدة عريضة، كل هذه العوامل مجتمعة أدت لأن وافقت إيران على هدنة اقترحتها الأمم المتحدة والتي وصفها الأمام الخميني "كأس السم" حسب تعبيره في 20 اغسطس 1988، حيث كانت إيران ترفض أي قرار من مجلس الأمن ما لم يعترف بأن العراق هو البادئ بالاعتداء وإقرار التعويضات اللازمة لإيران والتي قد تصل إلى 200 مليار دولار.
إلا أنه بعد ثلاثة أعوام من انتهاء الحرب وفي عام 1991 وبعد شهر واحد من الغزو العراقي للكويت وافق العراق على الالتزام باتفاقية عام 1975 التي وقعها مع إيران.